أعلى 

 


الامر المؤكد ان الحرب الامريكية ضد الارهاب في افغانستان لم تنته بعد، ولا يلوح في الافق ان الاحتفال بالانتصار النهائي فيها بات وشيكا، فالشخص المطلوب، اي الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، مازال حيا يرزق، وفاجأ الكثيرين في الاسبوع الماضي بتسريب شريط ثالث يظهر فيه بمعنويات عالية جدا، ورغبة اكيدة في مواصلة حربه ضد الولايات المتحدة واقتصادها وسياستها الخارجية المنحازة للدولة العبرية.
وقد يجادل البعض بان هناك انجازات اخري حققتها الولايات المتحدة بعد شهرين من بدء الحرب في افغانستان بغض النظر عن بقاء الشيخ بن لادن وابرز معاونيه او مقتلهم، اهمها ان تنظيم القاعدة لم يعد يشكل خطرا بعدما جري تدمير بناه التحتية، وحرمانه من قاعدة آمنة كان ينطلق منها في هجماته ضد الولايات المتحدة وسفاراتها ومصالحها الاقتصادية.
وهذا الجدل ينطوي علي بعض الصحة، فالضربات الجوية الامريكية لقواعد تنظيم القاعدة وتجمعات قوات حركة طالبان، اضعفت الاثنين معا، اي تنظيم القاعدة وطالبان، ونصبت حكومة موالية للتحالف الغربي في كابول، وجعلت الكثير من الافغان يرحبون بالحماية الامريكية ودولاراتها، ولا يترحمون علي حركة طالبان وحكمها.
ولكن من الجائز القول، وبتحفظ شديد، ان الكثير من المناظر السياسية والعسكرية في افغانستان اليوم لا تعكس الحقيقة، وتنطوي علي خداع وتضليل، فالصورة ليست وردية تماما، والانجازات ما زالت محدودة، او بالاحري ليست بالصلابة التي تظهر عليها.
فتنظيم القاعدة، ورغم الضربات الشرسة، ما زال موجودا، سواء علي شكل خلايا او علي شكل جيوب مقاومة هنا وهناك، وبناه التحتية لم تدمر بالكامل، والا لما نجح هذا التنظيم في تصوير شريط لزعيمه بن لادن، وتهريبه الي باكستان، ومن ثم الي قناة الجزيرة في قطر. اما بالنسبة الي حركة طالبان، فلم نر حتي هذه اللحظة ايا من مسؤوليها السابقين في قفص الاتهام، مما يعني ان هؤلاء، وعشرات الآلاف من جنودهم ما زالوا في مكان ما في افغانستان، ينتظرون انقلاب الموازين وحدوث تغيير في خريطة التحالفات تؤدي الي انفجار الحرب بين قيادات تحالف الشمال انفسهم.
ولا شك ان حركة طالبان وحليفها الشيخ اسامة بن لادن وانصاره يتابعون بشغف انباء التوتر بين الهند وباكستان، ويتمنون اندلاع الحرب، بما يؤدي الي حدوث التغيير الذي يريدونه في اسلام اباد، وانهيار التحالف المؤقت بين الرئيس الباكستاني برويز مشرف والرئيس الامريكي جورج بوش الابن الذي ادي الي تشتيت شملهم.
فالحرب تعني حدوث تغيير في اولويات الرئيس مشرف، اي تراجع افغانستان وملفها من مكانتها المتقدمة علي سلم هذه الاولويات، وبالتالي سحب القوات الباكستانية علي الحدود مع افغانستان وتوجيهها الي الجبهة الشرقية مع الهند.
ولن نستغرب اذا ما اكتشفنا في المستقبل القريب وجود دور لتنظيم القاعدة وبعض عناصر المخابرات العسكرية الباكستانية في عملية الهجوم علي مقر البرلمان الهندي التي ادت الي تصعيد حدة التوتر، ودفع الامور نحو الحرب بين الجارتين النوويتين.
مرة اخري نقول ان الحرب الامريكية في افغانستان لم تنته، رغم ان القصف الجوي السلاح الاكثر فتكا فيها توقف، وسبب التوقف عدم وجود اهداف لضربها، باستثناء بعض المدنيين الابرياء، وليس بسبب تحقيق الهدف الاساسي من هذه الحرب، اي الشيخ بن لادن وابرز معاونيه.
انها معضلة كبيرة تلك التي تواجه الرئيس بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، فالاول اعترف بانه لا يعلم مكان وجود بن لادن، بينما لم يعد الثاني يستمتع بمؤتمراته الصحافية اليومية، ويتيه فيها خيلاء وثقة وهو يجيب علي الاسئلة.
QP19