نقطة نظام/ قدر الإبراهيم لن يتغير

 

/ لقد تم امس تطويل عمر الاستجواب, وبهذه الخطوة تكون الازمة قد اعطيت مدة اضافية لامداد نيران هذا الحطب وصب الزيت عليها. الا ان هذا التأجيل يفيد من يعتقد انه ضروري له لاعادة تنظيم صفوفه وترتيب أوراقه. لكن العارفين ببواطن الامور يشفقون على اصحاب هذه الحسابات, ذلك ان تياري الاستجواب, »التكتل الشعبي« و»الحركة الدستورية«, قد ارتبطا بحلف مصيري من الصعب جدا ان يتمكن احد من فرطه, وخلال المهلة الجديدة التي وفرها التأجيل فان اطراف الصراع الحقيقيين سيحاولون بذل كل ما بوسعهم لاخذ الحركة الدستورية الى جانبه وترك نواب التكتل الشعبي ورئيسه وحيدين في الساحة. لكن هل اصبح بالامكان اجراء مثل هذه الخطوة? ما نعرفه ان رئيس التكتل الشعبي النائب احمد السعدون قد صحح مواقفه التي اتخذها ايام الانتخابات العامة في دائرة الخالدية يومها جير اصواته لغير المرشح الذي كان يمثل التيار الاسلامي في الدائرة. هذه المواقف سارع السعدون الى اصلاحها وترميمها ولم يعد بينه وبين التيار الاسلامي اي تعارض او اختلاف. والمهم ان يدرك الجميع الآن ان حلف السعدون مع التيار الاسلامي سيستمر في الانتخابات النيابية المقبلة, اي انه لن يقتصر على موضوع الاستجواب او ينتهي بنهايته. وفي مقابل ذلك هناك مراكز نيابية قوية تدين بعضويتها الى التيار الاسلامي, وبالتالي فانها لن تستطيع التنكر لهذا الفضل والانحياز الى جانب وزير المالية. واقصى ما تستطيع ان تفعله هذه المراكز هو وقوفها على الحياد اثناء المناقشة وتصويتها آخر الامر الى جانب طالبي نزع الثقة عن الابراهيم اذا ما رأت انهم في حاجة الى ترجيح اصوات. وهذا الحساب يجري احتياطا لدخول المعركة الانتخابية المقبلة, فالهدف هو تجديد العضوية الذي لا يمكن بلوغه الا في حيازة اصوات الشارع وعواطفه, والشارع الآن كما نرى ليس في وارد تأييد وزير المالية بعد ان نجحت الاطراف المخاصمة له في اعلان جملة من الحقائق والمعلومات التي لا تصب في صالح وزير المالية. وبناء على هذه الاستراتيجية الانتخابية القصيرة فان النائب احمد السعدون يبدو مرتاحا ولا يعاني من موقف سياسي سيء او محرج, ومن يرد ان يجنب نفسه الدخول في طرق مسدودة, وان يجنب نفسه الاحتراق السياسي لم يعد له من خيار الا الاصطفاف وراء التحالف الشعبي - الاسلامي الذي يبدو انه سيزيد من اشتعال الازمة خلال الاسبوعين المقبلين وسيتمكن من توفير الاصوات اللازمة لنزع الثقة عن الوزير. وهذا الخيار اصبح ضروريا لمسألة تجديد العضوية حتى لاقرب المقربين من الحكومة واكثرهم ولاءً لها. واذا اكتفينا في استطلاع المشهد النيابي وتوجهاته فاننا لا نستطيع ان نهمل المشهد الآخر في الجانب الحكومي. هنا يبدو مصير الابراهيم محسوما على رغم كل هذه الدعوات التي يتلقاها من الحكومة تطبيقا لشعار التضامن. الحكومة قد تستقيل, كما تهدد, لو نزعت الثقة عن الابراهيم, لكن حتى التهديد بهذه الورقة لن يكون نافعا اذ ان الاستقالة سترفض وسيطلب من الجميع العودة الى اعمالهم حتى ولو خسروا وزيرا, فخسارة وزير لا يجوز ان تؤدي الى وقوع خسارة وطنية. وهكذا نرى ان الرابح في هذه المعركة سيكون التحالف الشعبي - الاسلامي, وما سيترتب على ربحه من تنازلات حكومية, وسيكون الرابح معه هو مجلس الامة الذي لن يتعرض الى الحل لان ليس في حله أي فائدة سياسية. والخلاصة ان المجلس سيكمل ولايته فائزا برأس الابراهيم وان الحكومة ستواصل عملها حتى موعد الانتخابات العامة المقبلة والتي على ضوء نتائجها سيكون لكل حادث حديث.

عبدالأمير التركي
في أمان الله / التأجيل الأخطر!

تأجيل الاستجواب، لا يمكن أن يُسجل انتصاراً حكومياً، بل إنه حتى اجتياز الوزير لاختبار طرح الثقة بفارق صوتين أو ثلاثة لا يستحق أن يوصف انجازاً حكومياً، خصوصاً عندما يعتمد الأمر على أصوات نواب تمت استمالتهم عن طريق خدمات ومعاملات، وعبر التراجع عن قرارات أو توجهات، طالما وصفها البعض بـ «الإصلاحية» وإذا بها تنحر على مذبح كرسي الوزارة قربانا للاسترضاء وثمنا للاستمرار والبقاء!
ولعل أهم ما كشفته الأسابيع القليلة الماضية، منذ التلويح بالاستجواب إلى تقديمه فتأجيل موعده، هو مدى ضعف التشكيلة الوزارية الحالية ووهنها وهشاشتها واهتزاز وضعها، بحيث استدعى الأمر إطلاق النائب الأول ومعظم الوزراء من أبناء الأسرة تصريحات متكررة أعلنوا فيها عزمهم الاستقالة في حال طرح الثقة بالوزير المستجوب، وهو ما يعكس وجود أزمة أكثر مما يعكس التضامن، ويبين أن الوزارة الحالية أصبحت تشكل عبئاً على الحكم، أكثر مما هي درع له!
وبالتالي، فإنه بافتراض أن الكتلتين المستجوبتين ستكتفيان بالاستجواب، ولن تتقدما بطلب طرح الثقة، أو أنهما ستقدمانه ولن تحصلا على العدد الكافي لسحب الثقة من الوزير، فإن هذا لن يغير من الأمر شيئا، إذ سيبقى الوضع الذاتي للإدارة السياسية مرتبكاً، كما هو عليه في السنوات الثلاث الأخيرة، وستستمر حالة الركود والجمود والشلل، التي تعانيها الدولة الكويتية، وستُدار الحكومة عبر «تفويض» لا أساس دستورياً له، ومن دون أن يكون هنالك سند واضح بيد مَنْ يتولى الإدارة «بالنيابة» لممارسة سلطة غيره، وستواصل الوزارة الحالية مهمتها الوحيدة في «تصريف العاجل من الأمور», وسيبقى الوضع معلقاً ومقلقاً وفي الوقت ذاته مفتوحاً أمام مختلف الاحتمالات!
هذا هو التأجيل الأخطر، وليس تأجيل الاستجواب، والخاسر الأول منه هو الكويت، والخاسر الثاني هو الحكم، ولا أحسب أن هنالك رابحاً، اللهم إلاّ إذا كان هنالك مَنْ يتربص فرصة قد تسنح يوما عندما ينفرط الأمر من دون ترتيب!

أحمد الديين

 ____________________________

   محمد عبدالقادر الجاسم

                                                                        لو كان يوسف شيخاً

من الواضح أن وزير المالية د. يوسف الابراهيم ومن هم حوله يتعاملون مع الاستجواب الموجه له بروح من التحدي والعناد بعيدا عن الحسابات السياسية أو القيم الحاكمة للعمل السياسي العام، فوضعوا لأنفسهم هدفاً محدداً هو بقاء الابراهيم في منصبه وبأي ثمن.
إن الإبراهيم أكثر رقياً من مستشاريه، لكنه تجرد من الحس السياسي نتيجة تأثيرهم لذلك فلن يتمكن من قراءة مؤشرات جلسة مجلس الأمة أمس قراءة صحيحة، وهي مؤشرات تؤكد أن نزع الثقة منه اصبح محتملاً جدا، لكن لأن الهدف هو البقاء فإن الابراهيم دخل في «حسبة الأرقام»، وهي حسبة تتطلب اتباع منهج الغاية تبرر الوسيلة، وهو سوف يفعل أي شيء يرضي هذا النائب أو ذاك بما في ذلك تعديل قانون دعم العمالة الوطنية لتحييد نائب واحد فقط، فالنائب مبارك الخرينج أعلن أكثر من مرة انه سوف يشارك في نزع الثقة من الابراهيم ما لم يعدل القانون وهو -أي النائب الخرينج- ملتزم برأيه الذي اعلنه وسوف نرى ماذا يفعل الوزير الابراهيم لكسبه في صفه.
ان كل شيء اصبح مباحا وهاهو الوزير يوعز لديوان الخدمة المدنية لتوظيف ما يقارب 3000 مواطن ومواطنة في اليومين الماضيين من اجل التكسب السياسي، وهو تكسب مع الاسف اصبح رخيصا جدا. ان قضية التوظيف هي فضيحة بكل المقاييس ولو كان لدى الابراهيم احساس بمعنى المسؤولية العامة لسعى لتعيين هؤلاء قبل فترة لكن ان يقبل على نفسه شبهة التكسب فهذه صعبة جدا.
وفي إطار محاولات التكسب والتلميع وتحسين الصورة اوعز الابراهيم الى احد المسؤولين في ديوان الخدمة المدنية للاعلان عن «جهود» الابراهيم في «محاربة الفساد» في اجهزة الدولة، فكشف ذلك المسؤول في حوار نشرته الزميلة القبس يوم السبت الماضي عن توجه غريب عن المجتمع الكويتي وهو توجه يؤدي الى تحويل الكويت الى دولة بوليسية. يقول المسؤول ان الدراسة التي اعدها ديوان الخدمة المدنية جاءت بناء على طلب الوزير د. يوسف الابراهيم وهي-اي الدراسة- «تؤكد ضرورة تشكيل جهاز للرقابة السياسية..» و«ان المهمة الرئيسية للجهاز الرقابي هي محاربة الفساد الاداري مع ضرورة اعطائه سلطة التفتيش والمراقبة السرية واجراء التحريات..» واضاف المسؤول ان اختصاصات جهاز الرقابة «قد تمتد لتشمل جمعيات النفع العام» ثم يضيف ان للجهاز الحق في «اجراء التحريات والمراقبة السرية وتفتيش أماكن العمل».
فماذا يريد د. الابراهيم بكل هذه الصلاحيات وكيف يتلاءم «فكره الاصلاحي» مع تشكيل جهاز يتولى الرقابة السياسية على الموظفين في الوزارات؟ وكيف يتلاءم هذا «الفكر الاصلاحي» مع المراقبة السرية للموظفين ومراقبة جمعيات النفع العام؟
إن هذا الفكر القمعي التسلطي ولّى عليه الزمن ونحن لسنا في دولة بوليسية قمعية، فإلى أي فكر ينتمي د. الابراهيم حقيقة؟ هل هناك قاسم مشترك بين فكرة جهاز الرقابة السياسية والمراقبة السرية وبين تحويل نصف اموال التعويضات التي تقدر بـ30 مليار دولار الى صندوق يشرف عليه وزير المالية ويتم الصرف منه دون ضوابط حقيقية والذي اشرت اليه الاسبوع الماضي؟
لو ان صاحب مشروع الـ30 مليار ومشروع الرقابة السياسية وزير شيخ فهل كان سيعتبر اصلاحياً؟

 

 

__________________________________________________________________________________

ديوان العرب    د. وليد الطبطبائي

                                   «حماة المال العام» أمام الاختبار الجماهيري

على مدى عقود من الزمن من عمر العمل البرلماني والسياسي الكويتي نصبت مجموعة من السياسيين نفسها وصية على قضايا المال العام، كان الدينار قضيتهم الاولى والأخيرة، وكانت معاركهم وجولاتهم وصولاتهم تدور تحت شعار حماية الثروة الوطنية وملاحقة من يستهدفونها من سراق المال العام، كانت هذه المجموعة غالبا ما تفرض مواقفها على الساحة، وكانت هي من يوزع شهادات حسن السلوك ونظافة اليد ويمنح اوسمة الوطنية والاصلاحية وهي من يضع اولويات النقاش السياسي والمحاسبة الجماهيرية.
كانوا يهاجمون من يطرح اي قضايا اخرى غير قضاياهم، كانت المواضيع الثقافية والتربوية والاجتماعية في ذيل قائمة اهتماماتهم، وويل لمن يطرح الملف الاخلاقي للبحث فهذا في حسابهم اشغال للبلد في قضايا هامشية، وويل لمن ينتقد الاباحية في وسائل الاعلام فهذا في اعتبارهم مضيعة للوقت والهاء عن قضايا اهم، وويل مرة ثالثة لمن لا يهتف بخطابهم ولا يتبع اولوياتهم ولا يقيس الامور بمسطرتهم، فهم «حماة المال العام» وهم صمام الامان لمصالح الشعب الكويتي!
ولكن ماذا لو صار احد المحسوبين عليهم في موضع المسؤولية؟
ان ملف استجواب يوسف الابراهيم كشف فيما كشف عنه من خبايا كذبة قديمة عاشها الشعب الكويتي حول قضايا المال العام ومواقف احدى الفئات منها، وفي كل يوم يمر حتى جلسة الاستجواب تتفتت الاسطورة القديمة ويفتضح الزيف، ففي الاستجواب اسئلة عن شبهات باساءة استخدام المال العام في الهيئة العامة للاستثمار لم يجب عليها الوزير، ومعلومات عن تلاعب في الاستثمارات لم يحاسب عنه الوزير احدا، وقروض يتم تسويتها على حساب المال الكويتي، وتعيينات لقيادات اثبتت فشلها وعدم امانتها تتم على اساس المحسوبية.
كان «حماة المال العام» يقولون انهم كانوا المستهدفين في تزوير الانتخابات عام 1967 ولكن وزيرهم الان يحجب معلومات خطيرة عن اموال تدخلت في نتائج انتخابات 1999، وكانوا يزعمون انهم هم من تصدى خلال الستينات لـ «زحف البراميل» والاستيلاء غير المشروع على اراضي الدولة ولكن وزيرهم الان يتبنى مشروع مرسوم يطلق «زحف البراميل» من جديد! وكانوا يرفعون شعار حماية المواطنين الاقل دخلا من نفوذ الاحتكاريين وعسف الدولة لكنهم يتحالفون الان مع الاثرياء والحكومة ضد المواطنين المتقاعدين وخصوصا النساء، وهم الذين يرفعون شعار الدفاع عن حقوقهن.
انه ليس استجوابا، انها فضيحة للتحالف العلماني ـ الحكومي في مجلس الامة.

الى الدكتور احمد الخطيب

قبل حوالي السنة التقيت في احدى المناسبات النائب السابق الدكتور احمد الخطيب وقال لي: «انت يا دكتور طبطبائي خوش ولد لو انك تهتم بقضايا المال العام»، ووعدته خيرا وقلت له انه سيرى جهدي في هذا المجال، والان اذ اتذكر هذا الحوار اتساءل، اين الدكتور الخطيب من الحوار الوطني الصاخب حاليا عن استجواب وزير المالية؟ ولم نسمع له تعليقا حول مواضيع هذا الاستجواب او عن مواقف رفاقه المتهالكين على الدفاع عن الوزير؟

____________________________

 

   محمد عبدالقادر الجاسم

                                                   أي إصلاح أي بطيخ!

يعتمد التصنيف السياسي للأفراد في الكويت إلى حد كبير جداً على الدعاية والترويج الاعلامي أكثر من اعتماده على المواقف الحقيقية والتصرفات الفعلية. وهناك من يتعامل مع العمل الوطني على انه «انتاج خاص» ويعتبرون أنفسهم أصحاب الحق في اسباغ صفة «الوطنية» على من يعمل في الحقل السياسي، فتراهم يقولون ان فلاناً وطني وفلاناً غير وطني، وهم في الواقع لا يقيّمون مواقف الآخرين بقدر ما يقيمون ولاء الاخرين لهم او انتماءهم العائلي، بل وأكثر من هذا فمواقفهم الحقيقية ـ وليست المعلنة ـ هي أبعد ما تكون عن العمل الوطني الحق.
ومنذ فترة قريبة ظهر علينا «لقب» جديد وهو «الاصلاحي» وبدأ محتكرو الوطنية يوزعون هذا اللقب حسب هواهم، ومنذ بدء الحديث عن استجواب وزير المالية د.يوسف الإبراهيم تم «منحه» لقب الوزير الاصلاحي، وعبر هذا اللقب هم يحاولون حمايته!
إن الأفعال وحدها هي التي تصنف الساسة.
وهناك من يعتبر استجواب د.الابراهيم عملاً وطنياً، وهناك من يعتبره عملاً انتهازياً، والأمر نفسه بشأن تصنيف د.الابراهيم فهناك من يراه ضعيفا ومبددا للمال العام ومحابيا لأصحابه ومخالفا للدستور وغير ذلك، وهناك من يعتبره رجلاً «اصلاحياً» لكن العبرة بالمواقف.
فماذا تقول المواقف؟
في 12/6/2001 أحالت الحكومة إلى مجلس الأمة مشروع قانون، وهو مشروع تبناه وزير المالية د.يوسف الابراهيم، وفي نظري فان هذا المشروع خطير جدا.. فبموجب هذا المشروع يريد وزير المالية ان يتم استقطاع نسبة قدرها 50% من التعويضات التي تستحق للوزارات والادارات الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة والشركات المملوكة بالكامل لمؤسسة البترول، والتي تقدرها لجنة التعويضات بالأمم المتحدة عن الخسائر التي لحقتها من جراء العدوان العراقي، ثم يتم ايداع هذه النسبة المقتطعة في صندوق خاص يتبع الوزير ويصرف من هذا الصندوق «لتمويل تنفيذ مشروعات الاعمار وتعزيز البنية التحتية للدولة وإصلاح ما دمره العدوان العراقي وزيادة مجالات التنمية وغيرها من المشروعات الحيوية والقومية في المجالات المختلفة ولسداد مديونية احتياطي الاجيال القادمة».
وطبقاً لمشروع الوزير فإن قواعد وشروط صرف الأموال المودعة في الصندوق والتي تقدر بمبلغ 30 مليار دولار يحددها مجلس الوزراء، ولمجلس الوزراء ان «يقرر المشروعات التي تمول من الصندوق والجهة التي تتولى تنفيذها والاشراف عليها» ويتم ذلك «دون التقيد بالقواعد المطبقة في الجهات الحكومية».
إن هذا المشروع وباختصار شديد هو انقلاب كامل على النظام الدستوري، فالمشاريع تسند للشركات التي يختارها مجلس الوزراء بناء على عرض وزير المالية، وليس لديوان المحاسبة حق التدقيق المسبق، ولا تخضع المشروعات لرقابة أي جهة ولا يتم اتباع أسلوب المناقصة ولا أي أسلوب آخر، كل ما في الأمر ان مجلس الوزراء يقرر ما يشاء في كيفية صرف 30 مليار دولار بناء على توصية وزير المالية.
فهل هذا المشروع إصلاحي؟ هل من يريد الافلات من الرقابة في صرف مبلغ 30 مليار دولار على مشروعات يختارها ويختار من ينفذها ومن يشرف عليها، يمكن اعتباره «إصلاحياً»؟
إن هذا المشروع كارثة بكل المقاييس، فإذا كان د.الابراهيم غير مقتنع بديوان المحاسبة ولجنة المناقصات وغيرهما من جهات رقابية فالأولى به ان يعدل القوانين وان يستحدث نظماً جديدة وأن يصلح ما هو غير مناسب، بدلاً من أن يضع مشروعاً يترتب عليه تبديد أموال الدولة.
إننا لا نطعن في الذمم لكن هل يضمن الابراهيم أو أي وزير مالية يأتي بعده ألا يساء استخدام هذه الأموال للتنفيع؟!
يكفي أن أقول مرة أخرى إن هذا المشروع يضع 30 مليار دولار تحت يد وزير المالية بإشراف مجلس الوزراء فقط، وللعلم فهذه الثلاثون مليار دولار تعادل المصروف الفعلي للدولة لمدة ثلاث سنوات!! فأي إصلاح أي بطيخ؟!
وهل يعقل ان يكون الوزير قدم هذا المشروع دون تنسيق مسبق مع النواب الذين يدافعون عنه الآن؟ مرة ثانية أي إصلاح أي بطيخ؟

__________________________________________________________________

 

محمد عبدالقادر الجاسم

                                            باسم الوطنية.. شراء وبيع

يعج الوسط السياسي «بالحركة»، وفي مثل هذه الأيام حيث تكون هناك أهمية مضاعفة لموقف كل نائب من الاستجواب المقدم ضد وزير المالية د.يوسف الإبراهيم وخاصة في حساب الأصوات المؤيدة والمعارضة لنزع الثقة من الوزير الإبراهيم، ينشط الوسطاء وتنهمر «الاغراءات» على بعض النواب. ولأن الوزير الإبراهيم متشبث في منصبه فهو مستعد لتقديم التنازل تلو الآخر لمجرد كسب هذا النائب أو ذاك في صفّه، وهو قد تنازل عن عدد من قراراته كما انه بصدد الاعلان عن تنازلات وتراجعات اخرى تمحو كل الاجراءات التي سماها اجراءات اصلاحية. واذا كانت عملية التراجع عن القرارات والسياسات تتم علنا فإن الضرر الأكبر هو فيما يتم «تحت الطاولة».. فباسم «الوطنية» تشترى المواقف، وباسم «الإصلاح» توزع الهبات والعطايا، وباسم «المصلحة العامة» تعقد الصفقات، وباسم «العقلانية» توزع القسائم، وباسم «الوحدة الوطنية» تمنح عقود جلب العمالة للمتاجرة.. نعم كل هذا يجري تداوله في الساحة السياسية بل وقد يكون ما يجري على أرض الواقع أكبر مما نعلم.
ان بقاء وزير في منصبه أو رحيله لا يستحق تلويث العمل السياسي.. ولست أدري كيف يقبل الوزير ـ أي وزير ـ أن يبقى في منصبه من خلال اتباع هذا الاسلوب.
ان المعلومات متاحة في الكويت.. ومهما التوت الطرق فكل شيء يظهر عاجلا أو آجلا، خاصة ان استجواب وزير المالية د.الإبراهيم أصبح الآن «قضية شعبية» بفعل الندوات المؤيدة والمعارضة وبات الناس يدققون في مواقف النواب ويتداولون أسباب تلك المواقف.
انه واقع غريب يخفي أسرارا كثيرة، فالنائب النيباري يقف في خندق الحكومة ضد النائب السعدون، والنائب المدعج ينزع عباءة القبلية بعد ان لبسها في فترة الانتخابات، والنائب الربعي يلتقي في الفكر والموقف مع النائب حمود الجبري!
انه واقع غريب عجيب، تحول الساسة فيه إلى سحرة يمارسون الشعوذة مراهنين على غفلة الجمهور.
ان واقعا سياسيا كالذي نتعامل معه الآن أحرى بأن ينكشف حتى وان نتج عن ذلك صدمة للمجتمع.
قد يبقى الوزير وزيرا وقد يترك الوزارة تطوعا أو جبرا.. وسوف تنتهي قصة الاستجواب، لكنني اعتقد انه ليس كغيره من الاستجوابات فالأجواء مهيأة لسقوط الكثير من القيم و.. الأشخاص.

 

__________________________________________________________________________________

                         نقطة نظام/ رجال آيلون للسقوط

 

النظام العام في الدول جزء من النظام الطبيعي العام الذي هو ايضا جزء من النظام الكوني الشامل. كل شيء يحدث ضمن النظام العام وفي نطاق ضوابطه من اجل تحصينه وصيانته وضمان استمراره. ففي النظام الطبيعي العام يتعرض الانسان الى الامراض, والامراض لها دلائل واشارات تنفع في قطع الطريق على استفحال الامراض ومعالجتها وذلك صيانة للنظام الطبيعي الذي يبقي الانسان على قيد الحياة. اما اذا تغلب المرض وانتصر فانه يقضي على المصاب به ولا يقضي على نظام الحياة الطبيعي. لذلك نرى دورة هذا النظام تزدهر ما بين الولادة والموت. وكذلك النظام الكوني اذ تقع الزلازل والفيضانات في الارض وتنهار بعض الاجرام وتخرج عن محاورها, لكن النظام يتصحح عبر هذه الظواهر ولا ينهار الا عندما تتغلب الظواهر عليه وساعتها يأتي يوم القيامة. النظام العام في الدول هو هكذا, وظواهره المرضية او الصحية هم رجاله والعاملون فيه, وهذا النظام لا يتغير ولا يتبدل ولا يخضع لما تخضع اليه الانظمة الدنيا حيث مسموح بافلاس الشركات والمؤسسات والاسواق والمتاجر التي يرثها من هو افضل منها.. النظام العام للدولة ينتمي الى الانظمة العليا التي من المحظور اعلان افلاسها والتي من المسموح تغيير وجوه رجالها وشخوصها. نحن في الكويت وعلى لسان ارفع المسؤولين في نظام الدولة العام, نسمع كلاما ينحصر دائما في تشخيص الامراض والعلاج, ويفيد بأننا اناس خلقوا للازمات ولا يستطيعون العيش بدونها. واذا كان الامر كذلك فان كلام المسؤول الرفيع يجب ان يتعدى حدود التشخيص الى المعالجة والتقرير, لان النظام العام لا يحتمل استفحال مرض الازمات لانه ممنوع عليه الافلاس وبالتالي فانه سيخلق من ذاته ادوات خلاصه وشفائه وذلك بتغيير الوجوه والشخوص باعتباره خطوة علاجية للقضاء على الاسباب. لا يكفي ان نحدد ماذا يصيبنا من امراض لان التحديد بهذا الشكل يعتبر خطوة منقوصة لا تكتمل الا بظهور قرارات العلاج الكبيرة. لا ننكر ان الاداء السياسي العام لا يتوفر له لاعبون لديهم القدرة والجهوزية للائتلاف مع العمل الجماعي, الذي يؤسس له القوانين والسلطات والادارات العامة. فالحكومات عندنا هي في الاساس صيغة جامعة, وكيان معنوي واحد, وصاحبة سياسات والتزامات واحدة, ورغم ذلك لا نجد ان هذه ال¯صيغة الجامعة تكفي لجعل الوزراء في هذه الحكومات على قلب واحد ونادرا ما شاهدنا حكومة كويتية متضامنة بل بالعكس كنا نرى حكومات بوزراء متناحرين متصارعين كل واحد, فيهم يحفر للآخر. وكذلك الامر نلاحظه في اداء النواب في مجلس الامة الذين لا تكفيهم الصفة الجمعية لسلطة التشريع كي يعملوا في صف واحد. وكذلك الامر في موضوع اصدار القوانين والتي تشوبها دوافع السياسة بدل دوافع العدل والانصاف والسعي الى استقامة الامور, اضافة لسائر القوانين الاخرى الحافلة بمواد تجيز الاستثناء. واذا كانت البداية من القوانين فاننا نرى في طبيعتها وفي طبيعة الاحكام التي تنص عليها ما يدفع الى توسيع هوامش السياسة, وبالتالي الى اقامة حلبات الصراع والتأزم. واذا ما اردنا القضاء على المرض وصيانة نظام الدولة العام وضمان عمل وجوهه وشخوصه فلابد من العودة الى الاصول اولا: تنمية قيم العمل الجماعي ورفع مستويات الاداء النفسي لدى الاشخاص لتكون اكثر قابلية للائتلاف مع العمل المشترك وغير الفردي. ثانيا : العودة الى القوانين واعطائها قوة السيادة بنزع عوامل السياسة عن اصدارها والغاء كل المواد المتصلة باجازة الاستثناء. وعمل كبير من هذا النوع يتطلب حاكمية شديدة وعادلة ومبصرة تستطيع ان تقيم سيادة القانون على الجميع وان تشيع في الحياة السياسية فضائل العمل الجماعي المؤسساتي, وعلى خلفية الآية الكريمة »لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم«. العمل الوطني تحت مظلة النظام العام للدولة عمل لا يستدعي البطولات الفردية بالتالي ينزع فتيل تصارع الافراد الذي يقضي بالضرورة الى قيام الازمة. والازمات يجب ان ينظر اليها بهذا المقياس الوطني على انها مؤشرات انذار مبكر على وجود خلل ما يجب المسارعة الى اصلاحه قبل استفحاله. اذا لم نتمتع بهذه المفاهيم ونسعى الى نشرها, فان النظام العام للدولة لن يسامح المقصرين وسيستبدلهم بآخرين في لحظة من لحظات القدر التي لا يعلم الا الله متى تجيء.

عبدالأمير التركي